في الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية ( 1968) ورد مفهوم الحرفة اليدوية كما يلي :
" كل أنواع الأنشطة التي تسخدم الوسائل اليدوية في الإنتاج وفي تطوير هيئة الماديات "
أما في التراث الغربي فإن مفهوم الحرفة يقصد به المقدرة والمهارة والبراعة في أداء العمل ، ومن ثم يشتمل هذا المفهوم على عنصر الفن نظرا لأن هذا العنصر يعتمد بشكل أساسي على الإحساس بالتعبير الذي يفضي إلى تحقيق الجمال ولإحساس بالبهجة والسرور .
ومن مجمل التعريفات التي وردت في كتب الباحثين في هذا المجال ، نستطيع أن نستخلص في الإجمال ما يلي :
شنط من الخوص - تنفرد بها قرية القصر - الواحات الداخلة إ |
( بدارة ) من الخوص لطحن الدقيق - موط - الواحات الداخلة
قوادس من الخوص لأكل الغيط وللأطفال فى عاشوراء - الواحات الداخلة
تختلف الحرفة اليدوية عن الصناعات التقنية الحديثة في أن الأولى تستخدم المهارة اليدوية في إنتاج سلع حرفية ذات جودة عالية ، لا تخضع بمقاييس مقننة أو أسس مدروسة ، تقوم هذه الحرف علىتوظيف خامات أولية لأنها تتعامل بشكل مباشر مع البيئة المحلية في غالب الأحيان وتتسم الحرف اليدوية في عمالتها بأنها تضم الجنسين ذكورا وإناثا ، وتمارس خارج وداخل المسكن ، تستعين الحرف اليدوية ببعض الأدوات والآلات ذات المستوى التقني البسيط المتمثل في الألات اليدوية ، والحرف اليدوية تعد في مجملها شكلا من الأشكال الاقتصادية غير الرسمية ، في الوقت التي تعد فيه _ بالضرورة _ شكلا من أشكال الصناعات الصغيرة .
وقياسا على ذلك فإن الحرف اليدوية في مصر تندرج في قائمة حصرية تشتمل على 55 صناعة طبقا لبيان جهاز الصناعات الحرفية والتعاون الإنتاجي ( ديسمبر 1974 ) ، وتجدر الإشارة إلى أن الصناعات الواردة بالبيان هي عناوين تصنيفية لعائلات الحرف ، مثلا تأتي صناعة البناء والتشييد واحدةمن هذه الصناعات في الوقت الذي تضم فيه هذه الصناعة بمفردها مجموعة كبيرة من الصناعات الصغيرة المكونة .
لذلك فإن المجتمع المصري يضم من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية ما يفوق غيره من المجتمعات الأخرى وذلك لعدة أسباب حاكمة منها التاريخ الحضاري الضارب في القدم والقائم على مجموعة من القواعد الإبداعية في شتى المجالات الحياتية ، كذلك حكم الجغرافية التي خلقت من مصر واحة كبرى في شبه عزلة نسبية ما ساعدها على خلق ثقافة مادية متميزة ومتفردة ، تفي بحاجات مجتمع يعيش في مد حضاري مستمر ، وفي ذلك لا نغفل دور نهر النيل في إعمال ذهن المصريين في إيجاد وسائل لضبط مياه النهر وما يتطلبه ذلك من إبداعات نظامية ومادية وبالتالي زراعية وصناعية ، يلي ذلك طبيعة المجتمع المصري خاصة بعد العصور الفرعونية وتعاقب الثقافات المختلفة عليه وانصهارها داخله وما نتج عن ذلك من خلق تنظيمات اجتماعية ( حرفية ) تضم الحرفيين في مجال الصناعات التقليدية فيما أطلق عليه نظام ( الطوائف الحرفية ) وبرغم أن هذا النظام لم يقم سوى في القاهرة وبعض المدن الكبرى إلا أنه كان شديد التأثير في الحفاظ على مجموعة كبيرة من الحرف والصناعات التقليدية المهمة فضلا عن تنميتها والحفاظ على القائمين عليها ، وقد استقطب نظام الطوائف في القاهرة وبعض المدن الكبرى مجموعات كبيرة وعائلات بأكملها من القرى للإنضمام إلى هذه الحرف والورش المركزية خاصة في مجال السجاد والخزف ، ولم يتبقى من الحرف اليدوية خارج هذه الدائرة سوى مجموعة من الحرف التي ترتبط بالبيئة ارتباطا عضويا يستحيل معها نقل الحرفة إلى القاهرة ( دائرة الضوء ) وتأتي في مقدمة هذه الحرف تلك اقائمة على منتجات النخيل حيث ارتباطها البيولوجي والأيكولوجي بمناطق الزراعات الكثيفة للنخيل خاصة تلك المناطق المنعزلة والبعيدة عن مناطق جذب العمالة فضلا عن ضعف خيوط الإتصال الثقافي مع المجتمعات الأخرى والتي أسهمت أيجابا بالحفاظ على الخصوصية الثقافية ، ونعني بذلك تحديدا مناطق الواحات
ثروة النخيل
في مصر ثلاثة عشر مليونا من أشجار النخيل ( إحصاء 2007 وزارة الزراعة ) منزرعة في مساحة 73653 فدانا تمثل 6.32% من إجمالي المساحة المنزرعة بالفاكهة في مصر ، تضم الواحات المصرية الخمس ما يوازي خمسة ملايين نخلة موزعة على التوالي بين الواحات البحرية ، الواحات الداخلة ، الواحات الخارجة ، ثم سيوة وتأتي واحة الفرافرة في ذيل القائمة .
بينما تتوزع الملايين الثمانية الباقية على التوالي في مناطق جنوب الجيزة ( البدرشين والعياط ) ، قنا ، غرب أسوان ، النوبة ، وفي منطقة رشيد ثم منطقة الفيوم . وبرغم الانتشار الواسع لأشجار النخيل عبر الخريطة المصرية ،فإننا لا نجد ازدهارا للصناعات القائمة على منتجات النخيل سوى في الواحات الداخلة ، الفيوم ، النوبة ، سيوة .
وفي الواحات الداخلة لاتزال المنتجات من هذه الحرف تحافظ نسبيا على وظيفتها المحلية بالإضافة إلى جانب التسويق السياحي ( النادر نسبيا ) بينما نجد أن نفس المنتجات في الفيوم والنوبة وسيوة قد اقتصرت على التسويق السياحي فقط مع ضعفه الشديد .
والصناعات التقليدية القائمة على منتجات النخيل يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين هما منتجات الخوص (السعف) ومنتجات الجريد ، ويأتي ليف النخيل كخامة مساعدة في هاتين الصناعتين .
وسوف تركز الدراسة هنا على الحرف اليدوية القائمة على الخوص في منطقة الواحات الداخلة بمحافظة الوادي الجديد لأسباب نذكر بعضها :
1 _ أن صناعة السلال من خوص النخيل هي من أقدم الحرف اليدوية في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات .
2 _ أن منطقة الواحات الداخلة هي أكثر المناطق ممارسة لهذه الحرفة القائمة على النساء فقط ، وهي تنتج تنويعات مختلفة في الشكل والحجم والوظيفة من منتجات الخوص ، فضلا عن حفاظ الجماعة المحلية على استهلاك هذه المنتجات .
3 _ إن ممارسات هذه الحرفة لا يستخدمن أية خامات من خارج المنطقة .
4 _ تقدم المرأة الممارسة لهذه الحرفة في مجال الإبداع التشكيلي في زخارف المنتجات .
5 _ تنوع أشجار النخيل في منطقة الداخلة يتيح لهذه الصناعة نوعيات مختلفة من السعف طبقا لما تتطلبه خامةالمنتج ، بالإضافة إلى منجات سعف النخيل بالمنطق نظرا للثقافة الزراعية في مجال النخيل التي يتميز بها أبناء هذه المنطقة تحديدا .
منتجات الخوص
الخوص / السعف هو أوراق النخل التي تنمو على جانبي جزع الجريد الذي يتراوح طول الواحدة منه من 5 _ 8 متر ، بينما يتراوح طرل الخوصة من 20 _ 40 سم .
والحصول على الخوص يتم عند إجراء عمليات التقليم ( التهذيب ) السنوية للنخلة والتي تتم بين شهري مارس وأبريل وفيها يتم قطع عدد من الجريد الخارجي ( الأخضر ) بواقع من 10 _ 13 جريدة بينما يتم قطع عدد من الجريد الداخلي ( الأبيض ) بواقع من 8 _ 10 جريدة والجريد الأبيض يسمى ( قلب ) وذلك لاقترابه من قلب رأس النخلة ولونه أبيض ناصع .
ومع تقليم الجريد الأخضر الخارجي يستخرج خام الليف المحيط بجزع النخلة .
وما يتم تقليمه سنويا يعد الخامات الأساسية في صناعة الخوص على مدار العام ، أو هكذا يجب .. ذلك لأن مايتم تصنيعه من هذه الخامات لا يزيد على 300 في المليون مما يتم تقليمه ، ولإيضاح ذلك نذكر :
أن منطقة الواحات الداخلة ( موضع الدراسة ) بها حوالي 935 ألف نخلة ومعنى ذلك أنه يتم الحصول على حوالي 11 مليونا من الجريد الأخضر ، وحوالي تسعة ملايين من الجريد الأبيض ، ما يتم توظيفه في صناعات الخوص لا يزيد على ثلاثة آلاف جريدة بيضاء وحوالي أربعة آلاف جريدة خضراء ، أما الكميات الهائة المتبقية من هذه الخامات فيتم التخلص منها بأسلوب الحريق ، تماما مثلما يتم التخلص من ( قش الأرز ) في مناطق وادي النيل .
وتعود أسباب تدهور توظيف هذه الخامات إلى نمط الحياه الحديثة بداية من العمارة التي لم تعد تعتمد في أسقفها على جريد النخل ، وحى الأوعية البلاستيكية التي تسهم في إزاحة أوعية الخوص من أماكن استهلاكها ، وانتهاء بعربات الكارو التي استغنى معها الفلاح عن " المقاطف " التي كانت تحملها الدابة محملة بالعلف الأخضر والمحاصيل والخضر في رحلة الحقل اليومية .
وفي هذه الوفرة المفرطة للخامات الكاملة للصناعة / الحرفة ، وبالمقابلة مع تدني حجم المنتج إضافة إلى وفرة الأيدي العاملة ( من النساء ) القابلة للتدريب على هذه الحرفة ، في هذا كله تكمن مشكلة هذه الدراسة التي تحاول التصدي لدرسها والتعرض لمشكلاتها واقتراحات حلولها .
خطوات صناعة الخوص
تعتمد صناعة الخوص بصفة عامة على خامات الخوص الأبيض والأخضر ( ولكل منتجاته ) وخام الليف لصناعة الحبال التي توظف في عمل قاعدة المنتج ( التقعيرة ) والحمالات ( الأذن ) وصناعة الخوص هي حرفة أنثوية لا يؤديها في الواحات سوى النساء فقط فيالمنازل وليس خارجها .
يخصص الخوص الأبيض لصناعة المنتجات ذات الاستخدام المنزلي ، بينما يستخدم الخوص الأخضر لصناعة المنتجات الخاصة بالعمل الزراعي وأعمال البناء .
· خطوات الصناعة : أولا / المنتج الأولي :
1. قطع الجريد في مواسم التقليم ثم يتم سلخ أوراق الجريد ( الخوص ) عقب التقليم مباشرة .
2. عادة ما يستخدم الخوص الأخضر وهو في حالة الليونة الطبيعية ، بينما يمكن تجفيف الخوص الأبيض لاستخدامه وقت الحاجة إلى تشغيله .
3. عند التشغيل يتم وضع الخوص في المياه لمدة يومين ، ثم يوضع داخل لفافات من ليف النخيل حتى لا يتعفن .
4. شق الخوصة طوليا إلى فلقتين أو ثلاثة أو أربعة طبقا لدقة الضفيرة المطلوبة للمنتج .
5. تجرى عملية التضفير لفلقات الخوص ، والضفيرة إما ثلاثية أو رباعية أو خماسية طبقا لعرض الضفيرة المطلوب ، ويكون طول شريط الضفيرة طبقا لحجم المنتج المطلوب .
6. تجهز فلقات الخوص الدقيقة جدا لاستخدام كخيوط ربط وحياكة الضفيرة ببعضها بإبرة معدنية يختلف سمكها حسب ضيق واتساع عرض الضفيرة ، تسمى هذه الإبرة ( مسلة ) .
7. تتم حياكة الضفيرة بداية من قاعدة المنتج ثم إلى أعلى وطبقا للشكل المطلوب للمنتج وحجمه .
8. إذا كان للمنتج غطاء ، فإن حياكة ضفيرة الغطاء تتم من أعلى إلى أسفل أي من قمة الغطاء أولا .
9. وضع خام الليف في الماء لمدة يوم لإكسابه الليونة المطلوبة لسهولة التجهيز .
10. تنظيف لفافات الليف وتسمى هذه العملية ( المشق ) أي إعداد أجزاء الليف بشل طولي ( ممشوق ) .
11. تقسيم اللفافات إلى أجزاء صغيرة وتسمى ( السمسرة ).
12. فتل الأجزاء الصغيرة لتكون حبال بالسمك المطلوب طبقا للمنتج النهائي .
13. تثبيت الحبال على جدار المنتج لعمل " تقوية " للقاعدة وحمايتها بواسطة خيوط من الليف الدقيق والإبرة ( المسلة ) ثم تثبت حبال رباط الغطاء بالجسد وتمتد لعمل أجزاء الحمل ( الأذن ) .
14. عمل لزخارف ، وهي التي يجب تناولها تفصيلا.
ثانيا : زخارف منتجات الخوص .
ترتبط الزخارف في منتجات الخوص بصفة عامة بوظيفة المنتج ، فالزخارف من حيث المبدأ لا تتم إلا عاى منتجات الخوص الأبيض ، ذات الاستخدام المنزلي ، وتأخذ الزخارف أهمية بالغة في المنتجات ذات الارتباط بمناسبات احتفالية مثل مناسبات لزفاف واحتفالات عاشوراء .
وفي هذه المنتجات ترى الزخارف أشد كثافة في وحداتها ، مع تعدد ألوانها المبهجة ، ودقة تنفيذها .
ومن هذه المنتجات التي تدخل في احتفالية الزواج " شادوفة اللحم " ، بدارة العشا ، برش العروسة ، النقيصة ..
أما في مناسبة عاشوراء فإن كل أسرة تصنع لأطفالها " قادس " لكل طفل توضع به دجاجة وعدد من البيض المسلوق ، وفطائر ، يقوم الأطفال بتعليق قوادسهم في الشارع منذ الصباح وحتى بعد صلاة الظهر ليأكلوا محتوياتها جماعات .
وعلى قدر ما تكون دقة وجمال زخارف القادس يكون التقييم الفني للمارة في شوارع الواحة
الوحدات الزخرفية :
وزخارف منتجات الخوص هي بصفة عامة وحدات هندسية وهي :
1) الكورنيشة : وهي مثلثات متجاورة ومتقابلة .
2) السفرة : وهي تتكون من معين كبير بداخله معينات أصغر .
3) الفيومية : وهي شبه معين فيه مستطيل صغير في الوسط .
4) الشمعة : عبارة عن وحدة مستطيلة .
5) الصحن : وهو شكل مربع بداخله فيومة يمكن أن تتكرر.
6) الشمعدان : ويتكون من معين ومدرجات متتالية .
7) الموج : وهي صورة من جريد النخيل .
الخامات المستخدمة في الزخارف :
تستخدم الخيوط القطنية والحريرية في كافة الزخارف وتنفذ بالإبرة ، أما منتجات الخوص في قرية القصر فالزخارف تنفذ بأشرطة من القماش عرضها في حدود 2/1 سم ، وهي تضفر مع لحمة الخوص .
منتجات الخوص في قرية القصر :
تتميز قرية القصر بالواحات الداخلة بتصنيع منتجات خوصية بشكل وأسلوب مختلف ، حيث يعتمد المنتج الخوصي على تقوية قواحه بإدخال هيكل من خام عرجون البلح بعد تطويعه بالماء ثم تضفر عليه فلقات الخوص بصورة رأسية لتكسية الهيكل وربطه ، وبذلك تكون منتجات قرية القصر هي الأقوى والأمتن والأطول عمرا ، ويستخدم نفس الأسلوب في صناعة أطباق الخوص بمقاساتها المختلفة والتي تسمى ( طوف) .
مشكلات الصناعة
أولا : ضيق القدرة الاستيعابية للسوق المحلية عن الطموح في خطة التوسع في حجم انتاج الخوص .
ثانيا : ثبات الأشكال والأحجام للمنتجات طبقا لوظائفها التقليدية مع عدم وجود أية ابتكارات جديدة سواء في
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الى موقع فولكلور