الاثنين، 26 يونيو 2017

الحلقة الاحدى عشرة / من مذكراتى حول6أكتوبر

الحلقة الاحدى عشرة / مذكراتى حول 6 أكتوبر
محاولات العدو لحصارنا داخل سيناء
( عبدالوهاب حنفى )

العجيب فى الأمر،ِ أن كل مظاهر الحرب – التى تفوق فيها الجانب المصرى - كانت هى الشرارة الأولى للحرب مع اسرائيل ، والتى تفوقتا فيها من أول لحظة وحتى تاريخه ... وكانت هذه الخطوة لابد منها لكى تستمر المعركة سجالا بين أطراف المعركة، وكانت هذه نلنا فيه الشرف من أول ما سمعنا بأسر اللواء عساف ياجورى بكتيبته 190 مدرعات ، وهو النبأ الذى هز رؤسنا بالدهشة ، يوم 8 / أكتوبر ...!!!
ولن أنسى يوم أن حددت أول ساعة تنطلق فيها طياراتنا للشرق تهاجم العدو ، أن تكون هذه هى أول مرة ننطلق فيها الى ذمام الحرب ، ولسنا نكون رد فعل لهجمات العدو ...!!!
ولا أنسى أن سلاح الأربى جى ( المضاد للدبابات ) من الهجوم على النقاط القوية للعدو ، وصد الهجوم من مدرعات العدو ، وكل ذلك فى حساب الخسائر التى تحملها العدو من ناحيتنا ،، وكان لسلاح الأر بى جى الدور الأكبر والرئيسى فى هزيمة كتيبة عساف ياجورى ، ووقوعه فى الأسر، وتم اخلاءه للمخابرات المصرية، وتدمير البقية الباقية من دباباته ،، !!!
بالاضافة الى الأسلحة المضادة للدبابات ، كانت هناك الأسلحة المضادة لطيران العدو ، التى أفقدت طيران اسرائيل فاعلياته فى معركتنا هذه ..
كان فى ظهر يوم 16 رأينا بالعين المجردة ، ثلاث دبابات معادية تحوم فى أرض الجهة شرق القناة ، وكانت هذه هى بداية الثغرة التى فتحت عن طريق البحيرات ( مابين الجيشين الثانى والثالث )
وأسرعت القيادة الأعلى بابلاغ هذه الملاحظة الى الجهات الأعلى ، فكان تصور الفريق سعد الدين الشاذلى ، أن يقوم بعمل غارات من دباباتنا الى هذه الدبابات المعادية وسحقها فى مكانها ، وكان السادات قد أصدر تعليماته للفريق الشاذلى بأن يترك الأمر على ماهو عليه ، ( بحجة أنه كان ينوى سحب القوات التى احتلت رؤس كبارى على الضفة الشرقية للقناة ، ويأخذها لكى تحارب الدبابات الثلاث هذه )...!!! ( كنا نتوسم أن الرئيس السادات أراد أن يتخلص من الفريق سعدالدين الشاذلى ، وقد أتم مهمته ... !!!) وقد قال السادات : اننى أنا مش جاهز لمحاربة أمريكا ..!!! على أساس أن الثغرة كانت بتصوير جوى امريكى كشف أن هناك ثغرة مابين الجيشين الثانى والثالث طولها 70كم ، وأبلغوا بها العدو الاسرائيلى ،،!!

لم تكن هناك خطورة كبيرة من امكان العدو تطويق الجيش الثاني نظرا لوجود ترعة الاسماعيلية، وهي مانع مائي كبير يمتد من الغرب الى الشرق ويحتاج عبورها الى تجهيزات خاصة ومعدات عبور عديدة، علاوة على أن الارض غرب القناة في قطاع الجيش الثاني زراعية ومليئة بالاشجار والمزروعات وقنوات الري المتشابكة مما لا تسمح بسرعة تقدم المدرعات. وبالاضافة الى طبيعة الارض التي في صالح القوات المدافعة، فان القوات المصرية في قطاع الجيش الثاني غرب القناة كانت كافية لصد هجوم فرقة الجنرال شارون التي كانت مهمتها التقدم شمالا من راس الكوبري في الدفرسوار اتجاه الاسماعيلية
وخلال يوم 18 أكتوبر بذل الطيران المصري جهدا كبيرا لضرب راس الكوبري الاسرائيلي غرب القناة، وتركزت هجماته على جسر معديات البونتون شمال البحيرة المرة الكبرى. وقامت ثلاث موجات من طائرات الميج بهجمات متعاقبة على الجسر الاسرائيلي وعلى بعض الجسور فوق ترعة الاسماعيلية التي استولى عليها الاسرائيليون. وقد دارت خلال ذلك معارك جوية عنيفة اشتبكت فيها طائرات الميج 21 المقاتلة القاذفة المصرية مع طائرات الميراج وفانتوم الاسرائيلية في الجو وسقطت أعداد كبيرة من طائرات الطرفين. وقد ذكرت المصادر الاسرائيلية ان 5 طائرات هليكوبتر مصرية على ارتفاع منخفض قامت بهجمة انتحارية على الجسر الاسرائيلي فوق القناة، وألقت عليه براميل معبأة بالنابلم. ورغم أن معظم هذه الطائرات قد أسقطت الا أنها كانت المرة الوحيدة خلال الحرب التي استخدمت فيها طائرات الهليكوبتر في اشتباك قتالي مباشر.
واعتبارا من صباح يوم 19 أكتوبر، وباندفاع دفع العدو دباباته نحو الجنوب في اتجاه السويس، أصبحت قواته تواجه لأول مرة قوات من الجيش الثالث ( الفرقة 19 ) كانت مكونة بصفة أساسية من وحدات من الفرقة 4 المدرعة التي كان يتولى قيادتها العميد محمد عبد العزيز قابيل ومن الفرقة 6 مشاة ميكانيكية التي كان يتولى قيادتها العميد أبو الفتح محرم، وهما الفرقتان اللتان كانتا مخصصتين وفقا للخطة الموضوعة لتأمين النطاق التعبوي للجيش الثالث .
وفي صباح يوم 19 أكتوبر قام مدرعات العدو بالتقدم في اتجاه الغرب والجنوب بلواءين مدرعين في النسق الأول ولواء المدرع في الاحتياطي، وقد سارت عمليات ألوية المدرعات على الضفة الغربية
وطبقا لتعليمات الجنرال أدان تقدمت الألوية المدرعة الثلاثة جابي في اليمين ونيتكا في المنتصف وآرييه في اليسار، وقامت الفرقة بهجومها الشامل على مواجهة واسعة في اتجاه الجنوب. واستخدمت الدبابات الاسرائيلية تكتيك الانقضاض، واندفعت صوب المواقع المصرية بأقصى سرعة ممكنة متفادية مناطق المقاومة الكبيرة لضمان سرعة التقدم، ولكن تكتيك الانقضاض لم يصادف النجاح الذي أحرزه في حرب 67، فقد اصطدمت الدبابات الاسرائيلية بمقاومة مصرية شرسة مما أبطأ سرعة تقدمها نحو الجنوب بشكل واضح. ولم تستطيع الوحدات المصرية الضعيفة التسليح والتحصين خلال هذه المرحلة أن تقوم بأكثر من تعطيل عملية التقدم المدرع الاسرائيلي في اتجاه الجنوب، فقد كان العدو يتفوق عليها تفوقا هائلا في عدد الدبابات، علاوة على المعاونة الجوية المباشرة التي كان يستخدمها لتدمير أي مقاومات تعترض طريق تقدمه،.
ولكن القوات الاسرائيلية لم تكن تسيطر سيطرة كاملة على المنطقة المستولى عليها، فقد كان ما يزال بداخلها وحدات مصرية تفادتها القوات المدرعة الاسرائيلية خلال اندفاعها السريع نحو الجنوب. وبسبب تداخل القوات المصرية والاسرائيلية في هذه المنطقة أصبح كل من الطرفين يهدد خطوط مواصلات الطرف الآخر.
وكان الاسرائيليون قد اصيبوا بخيبة أمل شديدة عقب حلول وقف اطلاق النار، فعلى الرغم من اندفاعهم المدرع نحو الجنوب والمعاونة الجوية المباشرة التي يقدمها السلاح الجوي الاسرائيلي لتدمير المقاومات المصرية التي تعترض طريق تقدمهم، وعلى الرغم من تفاديهم المقاومات المصرية الكبيرة في أثناء زحفهم، فانهم لم ينجحوا في الوصول الى بداية المجرى الرئيسي للقناة جنوب البحيرات المرة الصغرى والذي يقع على بعد حوالي 25 كم شمال مدينة السويس، أي أن خطتهم لعزل مدينة السويس وحصار الجيش الثالث التي كانوا يستهدفون من ورائها التفاوض مع مصر من مركز قوة عقب وقف اطلاق النار بقصد املاء شروطهم قد باءت كلها بالفشل.

لم تكن هناك أدنة صعوبة أمام الاسرائيليين لتحقيق أهدافهم المبيتة، فقد كان من السهل عليهم ايجاد التبرير الذي يتيح لهم الفرصة لاستئناف عملياتهم الحربية وهو الادعاء بان قوات الجيش الثالث قد انتهكت قرار وقف اطلاق النار وانها تطلق على قواتهم النيران. وقد تلقى كل من الجنرالين أدان وماجن توجيها من القيادة الجنوبية مساء يوم 22 أكتوبر بمراعاة وقف اطلاق النار اذا التزم به المصريون، أما اذا لم يحترموه فان عليهما استكمال المهام المسندة اليها.

وكان واضحا من أسلوب التوجيه ان القيادة الجنوبية قد منحتهما التصديق المطلوب، وأضاءت أمامهما الضوء الاخضر للاندفاع بقواتهما جنوبا لاستكمال المهمة التي كانا يتلهفان على تحقيقها، وهي تطويق الجيش الثالث وعزل مدينة السويس، فان التوجيه لم يمنحهما حق الرد على النيران المصرية بالمثل في حالة اطلاقها على قواتهما وهو الأمر المعتاد في مثل هذه المواقف، وانما كان يدعوهما الى استكمال المهام المسندة اليهما،
ونظرا لان الاسرائيليين لم يكن في نيتهم اطلاقا وقف القتال قبل تحقيق الاهداف التي رسموها، لذلك تم التنسيق بين الجنرالين أدان وماجن ليلة 22/23 أكتوبر على الخطة التي سيجرى تنفيذها اعتبارا من صباح يوم 23 أكتوبر. وتم اتفاقهما على ان تتقدم فرقة أدان جنوبا على طريقي القناة والمعاهدة بهدف عزل السويس وذلك عن طريق قطع الاتصال بين السويس والقاهرة غربا وبينها بين الطريق المؤدي الى خليج السويس جنوبا. ولاعطاء عمق كاف لعملية التطويق كان على الجنرال ماجن التقدم بفرقته على يمين فرقة أدان والمرور من خلال الجزء الغربي من قطاع هذه الفرقة بهدف الوصول الى ميناء الأدبية الذي يقع على بعد حوالي 16 جم جنوب مدينة السويس. وفي ليلة 23/22 أكتوبر وبعد أن ادعت اسرائيل أن القوات المصرية انتهكت قرار وقف اطلاق النار، بدأت عمليات فرقتي أدان وماجن في اتجاه الجنوب
فرقة الجنرال أدان: كان الجنرال أدان حريصا على تأمين خطوط مواصلاته في أثناء اندفاع قواته جنوبا في اتجاه السويس. ونظرا لتداخل بعض جيوب المقاومة المصرية مع قواته بطريقة تهدد زحفه الى الجنوب، فقد أصدر تعليماته بسرعة القيام بتطهير طريق المعاهدة والمنطقة المزروعة المحيطة به من القوات المصرية، وذلك في القطاع بين فايد والشلوفة (كان طوله يبلغ 35 كم). وخلال الليل تسلم الجنرال أدان امدادات من المشاة أرسلت اليه في الأغلب من الجهة السورية التي كان القتال الفعلي قد توقف فيها منذ أكثر من أسبوع، وقد تم نقلها بواسطة طائرات الهيليكوبتر وعربات الأتوبيس. وعن طريق دمج الامدادات الجديدة مع الكتيبتين السابق وصولهما اليه يوم 20 أكتوبر، أمكن للجنرال أدان تشكيل لواء مشاة يضم خمس كتائب كان يتحرك بوسائل نقل متعددة منها العربات المدرعة نصف جنزير وحاملات الجنود المدرعة، وعربات الأتوبيس. وأسند أدان قيادة هذا اللواء الى قائد ثاني الفرقة الجنرال دوفيك تماري، وبذا أصبحت فرقة أدان مشكلة من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة خفيف الحركة. وخلال ليلة 22/23 تمكنت كتيبة المهندسين التابعة لفرقة أدان من تطهير طريق القناة حتى موقع كبريت جنوبا. واعتزم أدان ضرورة استكمال تطهير باقي الشاطئ الغربي للبحيرات المرة حتى الشلوفة جنوبا حتى يسهل عليه الاندفاع بمعظم قواته في اتجاه السويس.

وفي فجر يوم 23 أكتوبر بدأت فرقة الجنرال أدان بأوليتها الأربعة في استكمال عملية تطهير الشاطئ الغربي للبحيرات المرة . ونظرا لصعوبة الارض وتماسك المقاومات المصرية، أصبح معدل التحرك بطيئا في جميع قطاعات الألوية. وخوفا من صدور قرار ثان من مجلس الأمن بتثبيت وقف اطلاق النار قبل أن تتمكن قواته من عزل مدينة السويسن فقد أسند الجنرال أدان مهمة استكمال عملية التطهير الى لوائي نيتكا ودوفيك تماري واندفع بلواءيه المدرعين الآخرين في اتجاه الجنوب وضاعا لواء جابي في اليمين غرب طريق المعاهدة ولواء آرييه في اليسار بموازاة قناة السويس.

وعن طريق تفادي المقاومات الكبيرة التي كانت تعترض طريق التقدم وباستخدام تكتيك الانقضاض السريع بالدبابات، نجح اللواءان المدرعان في شرق طريقهما للأمام بسرعة من خلال المواقع والمعسكرات المصرية التي كان معظمها يتكون من وحدات الشئون الادارية ومؤخرات الوحدات التي على الضفة الشرقية للقناة ومعسكرات النقاهة، مما أتاح الفرصة للقوات الاسرئايلية للاستيلاء في هذه المرحلة على كميات كبيرة من الاسلحة والمعدات والمخازن وآلاف من الأسرى كان بينهم عدد كبير من المدنيين. وعند حلول الظلام، وبعد قتال عنيف على طول محور التقدم وصل اللواءان المدرعان الى ضواحي مدينة السويس من الغرب عند تقاطع طريق المعاهدة مع طريق القاهرة السويس الرئيسي. ووضع العقيد جابي قائد اللواء المدرع الذي في اليمين قوة صغيرة من دباباته غرب السويس مباشرة، وعلى مدخل الطريق الرئيسي المؤدي الى القاهرة لعزلها عن الغرب، بينما تقدمت كتيبة مدرعة من لوائه على طول خليج السويس، حيث استولت على معامل تكرير البترول بالزيتية على بعد حوالي 5 كم جنوب غرب السويس، وبذا تم عزل مدينة السويس عن الطريق الذي يؤدي الى الخليج

وكلف الجنرال ماجن العقيد دان شمرون قائد اللواء المدرع الذي كان في أقصى اليمين من وقاته والذي هبط عدد دباباته من حوالي 90 دبابة الى 17 دبابة فقط بسبب الخسارئ الفادحة التي لحقت به خلال المعارك العنيفة التي خاضها مع الوحدات المصرية . كلفه بالتقدم الى ميناء الأدبية الذي يقع على خليج السويس وعلى مسافة حوالي 15 كم جنوب مدينة السويس. وانطلق دان شمرون بدبابته التي اضاءت كل كشافاتها وكانها في طابور عرض ليلي، ولم يكن أحد من المصريين يتصور ان ذلك الرتل من الدبابات الذي يسير بشكل قطار فردي على طريق الأسفلت هو رتل دبابات اسرائيلية اذ ان الدبابات لم تكن تطلق النار على احد ولا احد يطلق عليها النار.
والى الحلقة القادمة باذن الله ،وهى عن :
الدفاع عن مدينة السويس ،،،
( عبدالوهاب حنفى )