الأحد، 7 أغسطس 2011
عيون المشربية: لمحات من التاريخ الثقافى للواحات - عبدالوهاب حنفى...
عيون المشربية: لمحات من التاريخ الثقافى للواحات - عبدالوهاب حنفى...: "لقد كانت منطقة الواحات بعامة ، والجانب الذى يحتل الجزء الشرقى من الصحراء الليبية بخاصة، وثيقة الصلات والروابط بحوض النيل ، الأمر الذى ير..."
لمحات من التاريخ الثقافى للواحات - عبدالوهاب حنفى
لقد كانت منطقة الواحات بعامة ، والجانب الذى يحتل الجزء الشرقى من الصحراء الليبية بخاصة، وثيقة الصلات والروابط بحوض النيل ، الأمر الذى يرجع الى أهمية المنطقة بموقعها على مسالك التجارة عن طريق القوافل
الواحات المصرية فى التاريخ العربى
أشار ابن حوقل فى كتبه الى أن السلطنة التى كانت تتولى حكم الواحات، كانت فى أيدى أسرة آل عبدون وذلك منذ الفتح الاسلامى لمصر (حوالى 640م) أما عن الزمن السابق لدخول العرب المسلمين الى مصر فيقول ابن حوقل ( وبجميع الواحات بيع قديمة أزلية معمورة لأن البلد كان نصراني الأصل قديما ) وتشيرالعديد من المصادر التاريخية – والميدانية أيضا – الى قيام الرومان بحفر وتعمير البلاد كما أنهم قد شقوا الجداول المغطاة لسريان المياه الى الأرض الخصبة ، وترجع تغطية هذه الجداول الى حفظها من طغيان العواصف الرملية التى تشتهر بها بيئة الواحات الجغرافية والمناخية .
وقد ازدادت الهجرات من وادى النيل الى الواحات فى العهد المسيحى بسبب الاضطهاد الدينى ، وهناك مدينة مقابر البجوات ( القبوات ) بالواحات الخارجة ، وكذلك بعض المقابر المسيحية فى واحة الفرافرة ، حيث يقول ابن حوقل( والغالب على أهل الفرفرون ( الفرافرة ) القبط والنصارى ....)
ويقول المسعودى فى كتابه مروج الذهب ( ...أما بلاد الواحات وهى بين مصر والأسكندرية وصعيد مصر والمغرب وأرض الأحباش ( افريقيا السوداء ) من النوبة وغيرهم ... وصاحب الواحات فى وقتنا هذا ، وهو سنة اثنين وثلاثين وثلثمائة هجرية ( 943-944 م )عبد الملك بن مروان، وهو رجل من العرابة ، الا أنه مروانى المذهب، ويركب فى العرف من الناس خيلا ورحيلا ونجبا ....وفى أرض الواحات خواص وعجائب ، وهو بلد قائم بنفسه ، غير متصل بغيره ، ولا مفتقر اليه ، ويحمل من أرضه التمر والذبيب والعناب .
آل عبدون ( حكام الواحات )
أشار ابن حوقل أن أسرة آل عبدون كانت تحكم مملكة الواحات من زمن سابق لدخول العرب الى مصر فى عام 640 م ( وكانت الواحات الداخلة هى عاصمة المملكة ومقر الأسرة الحاكمة )
ويضيف ابن حوقل فى كتابه (صورة الأرض)أن: ملوك هذه الناحية يرجعون الى مروءة فاشية، ومظاهرة بالحرية ورغبة فى القاصدين ، ومحبة للمنتجعين على جميع ضروب القصد مكرمين للتجار نازلين على أحكامهم فى الأرباح . وكان من أحرصهم على هذه الوتيرة ، يتقبل المحاسن ويحب حسن الأحدوثة والشكر ، ويرغب فى جميل الذكر، أبو الحسن مكبر بن عبد الصمد بن عبدون ، رحمه الله ، بكبر نفسه وسعة قلبه ، وكثرة طوله وفاشى مروءته ، يزيد على من سلف له من أهله فى جميع المقاصد الكريمة ، ويركب منها الطرقات الصعبة الجسيمة ، ولما مضى قام مكانه ، وعمر موضعه عبدون بن محمد بن عبدون فى ضمن عبد له ، يعرف بمصبح بن ميمون ، مغربى الأصل ولد بالواحات الداخلة ( عاصمة المملكة ) وهو رجل ندب وشيخ شهم ، ونواحيهم كثيرة المياه والأشجار والغياض والعيون الجارية العذبة متصرفة فى نخيلهم وزروعهم وأجبيتهم وأكثر غلاتهم القمح والشعير والأرز، ولديهم من العناب الكثير والقوة الواسعة الغزيرة ، ما يغدق به الى الكثير من النواحى ، وهى كالناحية المعتزلة فى مركز دائرة من النيل ، ومن أى نحو قصدت الواحات من أنحائها كان الوصول اليها من ثلاث مراحل الى أربع مراحل ، والناحية الخارجة منها المعروفة بيخيط وبيريس أقرب الى النيل .
وللأسرة المالكة عدد من القصور ، بالفرفرون ( الفرافرة ) والبهنسا قصران لآل عبدون ، يليهما مساكن كمساكن القلمون ( احدى قرى الواحات الداخلة حاليا ) ولا حرم فيها ولا ذخيرة ،بل هى أعدت لنزول أهلها بها عند نزهتهم ، ويليها مساكن الأكرة بالبهنسا وبيخيط وبيريس ( الواحات الخارجة ) قرى ظاهرة وباطنة ، وأمم عليها لوازم السلطان وجزية ، ولا يمد آل عبدون وخدمهم أيديهم فى شيء من الجباية سوى الخراج والجزية من النصارى وليس بجميع الواحات يهودى واحد فما فوقه .....)
أحوال مملكة الواحات
تحدث ابن حوقل عن تكريم ملوك الواحات للتجار نازلين على أحكامهم فى الأرباح ، ويزيد ابن حوقل فيقول : ليس بجميع الواحات حمام ، ولا فندق يسكنه الطارىء والقادم اليها ، واذا قدم التجار والزوار على آل عبدون أنزلوهم أين كانوا من قرارهم ، ولزمتهم الانزال ودارت عليهم الضيافات الى حين رحيلهم ، وعندهم بجميع نواحيهم المطاحن بالابل والبقر ، وقلما يمطرون ومياه عيونهم حارة ، فهى تقوم لهم مقام الحمامات .
... وبجميع الواحات بيع قديمة أزلية معمورة لأن البلد نصرانى الأصل قديما ، وكان غزير الدخل كثير المال ، فشاب وشمط بجور السلطان ...!!!
.... وغلات البلد ( الواحات الداخلة ) فوق حاجتهم وبه من القمح والتمور الجميلة الكبار الحب والعناب والقطانى الى جميع الفاكهة والبقول ما يزيد على حاجتهم وينيف على فاقتهم وارادتهم .
وعن سكان الواحات الداخلة ، يقول ابن حوقل :
تسكن هذا البلد مجموعات من المصريين الأقباط والمسلمين بالاضافة الى السكان الأصليين وهم من البربر ، وكانت بالواحات أيضا مجموعات قبلية منها بنوهلال ، فيقول ( وبالواحات من بنى هلال عدة غزيرة وأمة كثيرة ، وهى مصيفهم وقت الغلة وميرتهم منها ..)
ويضيف ابن حوقل : ومن قصد الواحة الداخلة وهى دار مملكة آل عبدون من ناحية القيس والبهنسة كان وصوله الى بهنسة الواح ( حاليا الواحة الخارجة )اذ بها ناحية تعرف بالبهنسة أيضا ( قرية القصر بالداخلة حاليا ) وبينها وبين الفرفرون مرحلة ...
وقد يقصد الواحات الداخلة من ناحية المغرب ومن جزيرة فيها نخيل وسكان من البربر تعرف بسنتريا ( واحة سيوة ) فيكون أول وصولهم منها الى ناحية البهنسة ( قرية القصر بالداخلة )
النوبيون وسكان الواحات
تحمل الذاكرة الشعبية لسكان الواحات الداخلة – حتى الآن – بعض الحكايات (بالغة الأهمية) حول الهجمات الليلية المتفرقة لجماعات سود البشرة يأتون من الجنوب فى حملات على ظهور الأبل يسلبون وينهبون كل ماتطاله أيديهم من محاصيل وغنائم من مدينة موط تحديدا ، فهى المعمور الثرى والكثيف الذى يقابل المهاجمين من الجنوب ، حتى أن هذه الذاكرة الشعبية تفسر وجود أحد السود من سكان الواحات الداخلة الحاليين بأنه من ( مخلفات ) هذه الحملات ، حيث لون البشرة السواء لايوجد فى الواحات عموما سوى فى قرية باريس بالواحات الخارجة والتى كانت تبيع المؤن لقوافل درب الأربعين ( وهى كانت منفذا للضرائب المصرية على بضائع القوافل العابرة ) مقابل بعض المرضى من الأبل والجوارى المريضات بسبب السفر الطويل لهذه القوافل ، وهو ما يفسر انتشار لون البشرة السوداء بصورة ملحوظة ، كذلك فى واحة سيوة ، والتى وفد اللون الآسود اليها من قبيلة ( التكارتة ) من دارفور
يقول المؤرخون أن دقلديانوس الحاكم ا لرومانى لجنوب الصعيد والواحات قام فى القرن الثالث الهجرى بنقل مجموعة من سكان النوبة وتكليفهم بحماية حدود مصرالغربية فى الواحات الداخلة ، وذلك لاجادتهم ركوب الأبل والتعامل مع الصحراء ومخاطرها وهو مالم يكن يجيده سكان الواحاتالذين لايجيدون سوى حفر الآبار والزراعة وما يتبعها من أنشطة ، ورغم ذلك فأن غارات أهل النوبة لم تتوقف ، فكانت جنودهم تحرس الواحات من غربها ، وفى الوقت ذاته يشن النوبيون حملاتهم على الواحات من جنوبها ...!!
وقد كلنت آخرحملاتهم على الواحات الداخلة فى عام 951 م حتى انسحبوا بعد عقد اتفاقية صلح ( فى دنقلة ) بين النوبة من ناحية ، وحاكم مملكة الواحاتآنذاك ( عبدون بن آل عبدون )
وجدير بالذكر أنه حتى الستينيات من القرن العشرين _ حين كانت واحات الوادى الجديد تقع تحت ادارة سلاح الحدود – كانت الشرطة فى الواحاتبأكملها من النوبيين السود ، ممن كان يطلق عليهم ( الهجانة ) وقد عاصر المؤلف هذه المرحلة بتفاصيلها التاريخية كشاهد عيان ، فقد كان هؤلاء الهجانة ذوى خبرة وكفاءة بالغة فى عالم الصحراء الموحش ، والعلم بمجاهل الحدود الغربية لمصر ، حتى أنهم قد اشتهروا بفن ( قص الأثر ) وهو يعتمد على آثار الأقدام فى الرمال للتوصل الى انسان أو حيوان _ أفراد أوقطعان – ضل طريقه فى الصحارى .
عرف إقليم الواحات الخارجة والداخلة والفرافرة (الفرفرون) وفيها عدد من المدن والقرى والقلاع، باسم مملكة موريتانيا الذي استمر استخدامه حتى حوالي القرن التاسع الميلادي حيث استبدل بمملكة الواحات كما ورد في كتب العرب.
ويبدو أن الأسرة المالكة في هذا الإقليم قد اعتنقت الإسلام في حوالي القرن التاسع الميلادي أو بعد ذلك بقليل. ويرجع اسم هذه المملكة إلى مقطعين يونانيين، أولهما موري ومعناه أهل البادية، وهناك إشارة إلى حدوث ثورة مجموعة من المازيكين في السنوات الأخيرة من القرن الرابع الميلادي الأمر الذي دفع الإمبراطور ثيودوسيرس لإرسال حملة إلى موريطانيا لتأديبهم. وحدث في نهاية القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميلادي شكوى ملك المقرة (دنقلة) من منع ملك موريطانيا مرور رسل المقرة إلى الإسكندرية لمقابلة البطريرك ومرجع ذلك إلى تحالف مملكة موريطانيا مع حكومة مصر الإسلامية ضد المقرة (دنقلة) وجاء في المصادر القبطية (حياة البطريق إسحاق) أن ملك موريتانيا قد منع مرور الأساقفة وغيرهم من رجال الدين الذين كانوا يسافرون عن طريق الواحات من السفر إلى دنقلة أو العودة إلى الإسكندرية.
وهذه المملكة –موريتانيا- التي أطلقت على مجموعة الواحات المصرية لا ترتبط بأية علاقة مع موريتانيا الواقعة على المحيط الأطلسي جنوبي مراكش (المغرب)، والأسرة المالكة في الواحات المصرية- كما سنبينه فيما بعد- ترجع إلى "لواته" وهي قبيلة بربرية، وعلاقة مجموعات هذه القبائل، من لواته والمقرة والنوبة (نوباديا، نوباتيا.. إلخ) ونوميديا، في حاجة إلى دراسة خاصة.
قامت على مجموعة الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة حكومة من أسرة آل عبدون الذين كانت السلطنة في أيديهم منذ فتح العرب لمصر في النصف الأول من القرن السابع الميلادي. وترجع هذه الأسرة كما يقول المسعودي وابن حوقل إلى حي من لواته قبيل من البربر.
ويحتمل أن تكون هذه الأسرة قد جاءت إلى هذا الإقليم في زمن سابق للإسلام وأنها اعتنقت الإسلام بعد دخوله إلى مصر، ويسند هذا القول إن مجموعات قبيلة لواته كانت موجودة في شمال غربي هذا الإقليم.
ولا نعلم شيئاً عن تنظيمات هذه المملكة الإدارية، والذي يبدو من الوصف الذي جاء في كتاب "صورة الأرض" لابن حوقل أنها كانت تعتمد على الجباية –الخراج والجزية- وكانت تمر عبر أراضيها القوافل إلى السودان وغانة والمغرب وفزان. والمعروف أن هذا الطريق قد قفل بعد منع أحمد بن طولون السفر من مصر إلى المغرب عبر هذا الطريق بسبب (سافية) الرمل التي تنقلها الرياح فتهلك المسافرة. وهو ما اطلق عليه بعد ذلك بحر الرمال الأعظم ، الذى يمتد على طول الشريط الواقع على حدود مصر الغربية ، وحتى داخل الحدود الليبية فى الصحراء الغربية
وكانت هناك حروب وغزوات بين مملكة الواحات والنوبة، ولا تُعلم أسباب تلك الحروب، هل هي كانت لأغراض سياسية أو اقتصادية. وقد هجم النوبة على الواحات في عام 951 م، وأن هدنة قد عقدت بين مملكة الواحاتومملكة النوبة بعد ذلك، وكانت هناك ممالك أخرى من ناحية الغرب والجنوب الغربي للواحات منها القرعان والزغاوة
ولا نعلم شيئاً مؤكداً عن الأمر الذي انتهت إليه هذه الأسرة المالكة ومن الذي حل محلها، كما أننا لا نعلم شيئاً عن الهجرات مِن وإلى هذه المملكة. فالواضح أن أهل النوبة قد تركوا الواحات في نهاية القرن الثالث وأوائل الرابع الميلادي للسكنى جنوبي الشلال الأول على حوض النيل، ومن المحتمل أن تكون هجرات أخرى قد تلت ذلك إلى حوض النيل في مختلف بقاعه وبخاصة بعد قفل طريق الصحراء إلى الغرب الأمر الذي تعطلت معه التجارة عن طريق القوافل المذكورة.
وننشر فيما يلي ما وصل إلينا عن تاريخ هذه المملكة ونرجو أن يعاون ذلك على القيام بدراسات أوسع عن الفترتين المسيحية والإسلامية لكتابة تاريخ لهذه المملكة ونصيبها الاقتصادي في تجارة مصر، وننقل ما كتبه صاحب كتاب "صورة الأرض" بنصه وحرفه لعل ذلك يساعد على متابعة ما جاء في المصادر التاريخية الأخرى ومنها اليعقوبي والمسعودي والمهلبي (إذا وجد. نقل عنه ياقوت) والإدريسي وياقوت وابن الوردي وابن دقمان والمقريزي والقلقشندي وابن آياس وغيرهم من العرب والإفرنج.
يقول الأصطخرى: "وأما الواحات فإنها بلاد كانت معمورة بالمياه والأشجار والقرى والرموم قبل فتحها. وكان يسلك من ظهرها إلى بلاد السودان بالمغرب على الطريق الذي كان يؤخذ ويسلك قديماً من مصر إلى غانة فانقطع ولا يخلو هذا الطريق من جزائر النخيل وآثار الناس وفيها إلى يومنا هذا ثمار كثيرة وغنم وجمال قد توحشت فهي تتوارى. وللواحات من صعيد مصر إليها في حد النوبة نحو ثلاثة أيام في مغارة حد، ولم تزل سافرتهم وسافرة أهل مصر على غير طريق تتصرف إلى المغرب وبلد السودان في براري ولم ينقطع ذلك إلى حين أيام دولة أبي العباس أحمد بن طولون. وكان لهم طريق إلى فزان وإلى برقة فانقطع بما دار على الرفاق في غير سنة بسافية الريح للرمل على الرفاق حتى هلكت غير رفقة، فأمر أبو العباس بقطع الطريق ومنه أن يخرج عليه أحد".
وفيما يبدو أن هذا المنع كان على التجار والمسافرين من إقليم مصر.
وذكر الجغرافي العربي: "وبلد الواحات ناحيتان ويقال لهما الواحة الداخلة والواحة الخارجة وبين الداخلة والخارجة ثلاث مراحل، وأجلّها الناحية الداخلة وهي واسطة البلد وقرار آل عبدون ملوكها وأصحابها، وفيها مساكنهم وأموالهم وعدتهم وذخائرهم، وهما حارتان بينهم نصف بريد وبكل حارة منها قصر إلى جانبه مساكن لحاشية من ينزله وخاصته وأصحابه وأضيافه وفيهما حرمهم وتعرف إحدى الحارتين بالقلمون والأخرى بالقصر، والناحية الخارجة تعرف ببيريس وبيخيط، وهما خمسة أصقاع ويشمل كل صقع منها على مناير تتقارب في المنزلة والحال". وذكر ابن دقماق أربع وعشرين بلداً في مملكةالواحات سنوضحها فيما بعد.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)