الأربعاء، 4 أكتوبر 2017

ماذا بعد نجاحنا فى الدفاع عن السويس ؟؟



مذكرات حرب أكتوبر
( عبدالوهاب حنفى )
( الحلقة 13)

ماذا بعد نجاحنا فى الدفاع عن السويس ؟؟

لم تكن هناك أدنى صعوبة أمام الاسرائيليين لتحقيق أهدافهم المبيتة، فقد كان من السهل عليهم ايجاد التبرير الذي يتيح لهم الفرصة لاستئناف عملياتهم الحربية وهو الادعاء بان قوات الجيش الثالث قد انتهكت قرار وقف اطلاق النار وانها تطلق على قواتهم النيران.
وكان واضحا من أسلوب التوجيه ان القيادة الجنوبية قد منحتهما التصديق المطلوب، وأضاءت أمامهما الضوء الاخضر للاندفاع بقواتهما جنوبا لاستكمال المهمة التي كانا يتلهفان على تحقيقها، وهي تطويق الجيش الثالث وعزل مدينة السويس، فان التوجيه لم يمنحهما حق الرد على النيران المصرية بالمثل في حالة اطلاقها على قواتهما وهو الأمر المعتاد في مثل هذه المواقف، وانما كان يدعوهما الى استكمال المهام المسندة اليهما، والفرق شاسع بالطبع بين الحالتين.
.
فرقة الجنرال ماجن: تحركت فرقة ماجن من الشمال الى الجنوب في قطاع عملياته غرب فرقة الجنرال أدان وتمكنت قواته الأساسية من الوصول الى طريق القاهرة السويس والانضمام الى عناصره المتقدمة التي كانت تحتل بعض المواقع الحاكمة شمال الطريق. وبعد أن ترك ماجن وحدة صغيرة من الدبابات في النقطة التي ذاعت شهرتها بعد ذلك وهي علامة الكيلو متر 101 على طريق القاهرة السويس بهدف تأمين الجناح الأيمن لفرقته من أي هجمات مضادة من اتجاه القاهرة تحرك ماجن بقواته في اتجاه الشرق على محور طريق القاهرة السويس، وكان عدد دبابات لواءيه المدرعين قد هبط من 180 دبابة الى حوالي 50 دبابة فقط، نتيجة للخسائر التي تكبدها أمام المقاومات المصرية الشرسة التي واجهت تقدم قواته عقب عبور فرقته الى الضفة الغربية ليلة 18/19 أكتوبر وخلال تقدمها من منطقة الدفرسوار حتى وصلت الى طريق القاهرة السويس يوم 23 أكتوبر بعد قرار وقف اطلال النار.
.
رد الفعل لقواتنا على الانتهاكات الإسرائيلية

عند حلول موعد وقف اطلاق النار في مساء يوم 22 أكتوبر كانت الفرقة الرابعة المدرعة التي أسندت القيادة العامة الى قائدها مهمة تأمين النطاق التعبوي للجيش الثاني والثالث قد احتلت وحداتها خطا على بعد 5 كم شرق الخط العام تقاطع عثمان أحمد عثمان – وادي أبو طلح – جبل أم كثيب – الحافة البيضاء – مشاش البحارة – جبل عوبيد (على مواجهة حوالي 70 كم) ، وفي الساعة الحادية عشرة صباح يوم 23 أكتوبر صدرت التعليمات من القيادة العامة عن طريق قيادة الجيش الثاني الى العميد أ. ح ابراهيم العرابي بان يتحرك بقيادة الفرقة 21 المدرعة فقط من موقعه شرق القناة الى تقاطع عثمان أحمد عثمان، ليتسلم مسئولية تأمين النطاق التعبوي للجيش الثاني من العميد أ. ح محمد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة 4 المدرعة الذي تقرر عودته ليتولى مسئولية تأمين قطاعه الاصلي بالجيش الثالث كما كان الحال من قبل. ووضع تحت قيادة العميد العرابي اللواء 23 المدرع الجاري استكماله وكتيبة دبابات من اللواء 2 المدرع (من الفرقة 4 المدرعة) وكتيبة مظلات وكتيبة استطلاع وكتيبة مهندسين من الفرقة 23 مشاة ميكانيكية. وفي الساعة الثالثة ظهرا تولى العميد العرابي مسئولية قيادته الجديدة غرب القناة على مواجهة حوالي 35 كم، ولكن العدو لم يكن له أي نشاط يذكر على هذه المواجهة.
وفي قطاع الجيش الثالث غرب القناة وبعد انتهاك الاسرائيليين لقرار وقف اطلاق النار، حاول اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث تأمين طريق القاهرة السويس الرئيسي الذي كانت المواقع الاسرائيلية شمال الطريق تهدد المرور عليه، فأصدر تعليماته في الساعة الثانية صباح يوم 23 أكتوبر الى قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية بأن يقوم اللواء 113 مشاة ميكانيكي (عدا كتيبة) وتحت قيادته كتيبة الدبابات التابعة للواء 22 المدرع، في أول ضوء يوم 23 أكتوبر باسترداد مرتفعات جبل جنيفة والمدخل الشرقي لوادي سد الجاموس، وأن تقوم كتيبة مشاة ميكانيكية من اللواء الأول مشاة ميكانيكي مدعمة بكتيبة صاعقة باسترداد التبة الزلطية، وأن يشكل اللواء الأول الميكانيكي قوة مدرعة لتدمير دبابات العدو الموجودة شمال علامة الكيلو متر 105 على طريق القاهرة السويس، بينما تدفع العناصر المتبقية من اللواء الى السويس لتأمين مداخلها. ولكن هذه المهام لم يكن في الامكان تنفيذها لضآلة القوات التي تبقت بعد المعارك العنيفة التي خاضتها وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية في الأيام الثلاثة السابقة ضد قوات العدو المدرعة، التي كانت تتفوق عليها تفوقا ساحقا من حيث عدد الدبابات وقوة النيران، والتي كان الطيران الاسرائيلية يقوم بتدمير أي مقاومات تعترض طريق تقدمها. وقد بلغ تآكل الوحدات المصرية الى الحد الذي جعل قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية يذهب بنفسه ومعه رئيس عمليات الفرقة لمرافقة القوة الصغيرة التي أمكن تدبيرها من اللواء الأول مشاة ميكانيكي، لفتح طريق القاهرة السويس عند علامة الكيلو متر 105 والتي كانت تتكون من 6 دبابات وعربتين مالوتكا ضد الدبابات من طراز نمر أي مجرد فصيلة مدرعة.
وكان أخطر الاحداث التي وقعت في قطاع الجيش الثالث غرب القناة يوم 23 أكتوبر هو اقتحام دبابات العدو لمركز القيادة المتقدم للجيش الثالث. وكان مركز القيادة الذي يقع شمال غرب السويس قد تعرض منذ صباح يوم 23 أكتوبر لغارات جوية عنيفة استمرت طوال اليوم، مما أدى الى تهدم بعض اجزائه علاوة على التهديد الذي كان معرضا له نتيجة للمعلومات التي وردت عن تقدم الدبابات الاسرائيلية من الشمال في اتجاه السويس.
وعندما أبلغ قائد الجيش الثالث القيادة العامة بالمركز 10 بالموقف المتحرج الذي اصبح يواجهه، أصدر الفريق أول أحمد اسماعيل أمره بانتقال مركز القيادة المتقدم للجيش الى مركز القيادة الرئيسي في الخلف جنوب جبل عوبيد والغاء مركز القيادة المتقدم، وان تشكل مجموعة قيادة للانتقال الى الضفة الشرقية للقناة لقيادة الفرقتين 7 و19 مشاة. وقد أمر اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث ومعه بعض الضباط من شعبة عمليات الجيش للانتقال الى الضفة الشرقية كي يتولى قيادة الفرقتين تنفيذا لتعليمات القائد العام، ولكن مجموعة القيادة لم يتيسر لها الانتقال الى الضفة الشرقية كما كان المفترض. وعند غروب شمس يوم 23 أكتوبر وفي أثناء تقدم اللواء المدرع بقيادة العقيد جابي من فرقة أدان في اتجاه الجنوب، اقتحمت دباباته مركز القيادة المتقدم للجيش الثالث، وكان قائد الجيش وقتئذ داخل الملجأ المشيد تحت الأرض وبرفقته مساعده ورئيس شعبة العمليات وكذا قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية الذي كان قد استدعى للحضور الى مركز القيادة بالاضافة الى بعض الضباط من شعبة العمليات ومن قيادة الفرقة. ورغم وقوع خسائر جسيمة بين أفراد مركز القيادة المتقدم للجيش الذين كانوا خارج الملجأ وتهدم معظم أجزائه بفعل نيران الدبابات الاسرائيلية المقتحمة، فقد نجا جميع الذين كانوا داخل الملجأ بأعجوبة اذ مرت الدبابات الاسرائيلية على أمتار قليلة منهم دون أن تكتشفهم بسبب الظلام. واضطر قائد الجيش الثالث الى اخلاء مركز قيادته الأمامي على الفور، وانتقل معه بعض ضباط قيادته الى مركز القيادة الرئيسي جنوب جبل عوبيد ، وهو مركز قيادة الجيش فيما قبل الحرب .
هذا هو ماكان على الأرض – باختصار – من بداية معركة الدفاع عن السويس وحتى الآن ( فى يوم 26 أكتوبر1973 )
فى الحلقة القادمة باذن الله ,
(المائة وخمسة أيام فى سيناء )

( عبدالوهاب حنفى)