اعادة هيكلة جهاز الشرطة ... عنوان يتصدر العديد من الحوارات الاعلامية ، من أعلاها الى أوسطها ، وحتى أحاديث المصاطب ..!! وذلك هو الحراك الثقافى الثورى ، والصحى أيضا .
ولمن لايعرف معنى مصطلح (الهيكلة الادارية ) ، هى – باختصار – أول الاجراءات التى تتم حينما نريد انشاء مؤسسة أو هيئة أو كيان ادارى جديد ، فنقوم بما يلى
أولا: تحديد الأهداف الرئيسية للمؤسسة المراد انشائها بصورة مفصلة .
ثانيا : تقسيم هذه الأهداف الى مهام نوعية .
ثالثا : وضع تصور ادارى لكل وحدة فرعية تتولى تنفيذ مهمة ( وظيفة ) محددة .
رابعا : وضع كل هذه الوحدات فى شكل هرمى تراتبى ، يضمن جودة تنفيذ كل وحدة لمهمتها ، والاشراف والرقابة عليها من المستوى الأعلى .
واذا ما وضعنا جهاز الشرطة المصرية ( مرحلة ماقبل 25 يناير) على محك القياس والتقييم ومعايرة الجودة الوظيفية ، حتى نضع أيدينا على التشخيص الموضوعى لما عانى منه هذا الجهاز المهم فى المرحلة الماضية ( الطويلة نسبيا )
فيجب علينا وضعه فى صورة تشريحية أمامنا حتى نضع أيدينا على مواطن المرض ، ودرجات التأثير السلبي على صحة جسد الشرطة ، وبالتالى التعرف على مدى تنفيذ جهاز الشرطة لمهامه الموكلة اليه طبقا للأهداف التى وضعت له فى الدستور ( وليس القوانين ) ولنحدد اذا ماكان لجهاز الشرطة من هيكل محدد سلفا من عدمه ..!!
وبنظرة شمولية على عناوين ( أسماء ) الوحدات الوظيفية لجهاز الشرطة ، نجد أنها أضحت شبكة عنكبوتية ( رهيبة ) تتغلغل فى كافة مناحى الادارة فى مصر .!!
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، شرطة الكهرباء ، والنقل والمواصلات ( وما يتفرع عنها من التليفونات والسكة الحديد ومترو الأنفاق ..ألخ ) والمرور ، والدفاع المدنى ، والسجل المدنى ، والجوازات ، وشرطة المطار ، والمرافق ، والحرس الجامعى ، والسجون ،شرطة السياحة ،حرس المنشآت، ونوادى الشرطة ... الى آخر القائمة
تلك بعض نماذج من الوحدات الفرعية للشبكة العنكبوتية ،التى ترتدى زى الشرطة ، ناهيك عن الأجهزة العديدة من تلك التى تحمل مهام سرية ، والتى أظهر الواقع – المر – انه على قدر تعددها ، كان قدر تضارب مهامها بل وتناحرها حول استلاب القوة فيما بينها ، بسبب عدم وضوح وجلاء مهام الهيكل الوظيفى لكل منها .
الشرطة ( النوعية المتخصصة ) الملحقة بالوزارات ، أصبحت لاتخدم مهامها بقدر ما تخدم الداخلية ، فتحولت الى ( مباحث ) على الأجهزة التى ( تخدمها ) بدءا من العاملين وحتى الوزير ، ووصل الأمر – كتطور طبيعى – الى أن تقاريرهم تتحكم فى كرسى الوزير والمحافظ ، وليس أدل على ذلك من الحرس الجامعى والقدر الذى وصل اليه من الصبغة الأمنية التى تحكم كل حركة وسكنة فى الجامعات ، حتى أن رأينا رئيس جامعة يدافع عن الحرس الجامعى ضد الحكم القضائى الصادر ضد وجوده ، لانه ( رئيس الجامعة ) يدرك أن من أختاره ورشحه ضد منافسيه هو الأمن ، وذلك هو أخطر ما يمكن أن تفرزه ( أمنية المنا خ العام ) من فكر وثقافة متدنية ، وبالتالى الاحباط لنظرية التنافس الموضوعي والطبيعى بين القيادات المرشحة.
وعند التفكير فى اعادة الهيكلة ، فان الأمر يستوجب اعادة الأمور الى نصابها المنطقى ، فالعديد من الادارات التى ذكرنا بعضها ، هى تابعة – طبقا لهامها – الى جهات ادارية ، فالمرور ، والمرافق ، والدفاع المدنى والحريق ، هى – شكليا - تتبع المحافظين ، وفعليا تعمل ( بناء على توجيهات السيد وزير الداخلية..!! ) وليس للمحافظ سوى الانفاق على هذه الوحدات من انشاءات ومرتبات ومكافآت ..الخ دونما اى سلطان عليها ، بل ان الأمر كثيرا ما يصل الى عزوف مديرى هذه الادارات عن حضوراجتماعات المجلس التنفيذى للمحافظ ، والاكتفاء بضابط صغير للتمثيل ، والكبار يكتفون بحضور اجتماعات وزير الداخلية فقط ..!!فيجب– اذا أردنا اصلاحا- أن تتبع هذه الادارات كلية الى المحافظين شكلا وموضوعا تحت قيادة أمنية واحدة داخل المحافظة ، وتنزع تبعيتها من الداخلية تماما ؟؟ قس على ذلك السجل المدنى والجوازات ( محافظات ) وحرس الجامعة ( جامعات ) والشرطة المتخصصة ( وزاراتها وهيئاتها ) حتى لا تتحول هذه الوحدات الشاردة الى قرون استشعار أمنى داخل الشبكة العنكبوتية التى أوقعت البلاد فى شرور مستطيرة ..!!
أما القطاعين المنافيين للدستور ( من حيث المضمون ) الأمن المركزى وقوات الأمن ، وكثير منا لايعرف الفرق بينهما من حيث المهام ، سوى أنهما جيوش داخلية ، كانت مهمتها حماية السلطة من بطش الشعب ...!! والذى ثبت فشلها فى أداء هذه المهمة ، والدليل تجده فى ميدان التحرير ..!! وبالتالى يجب اعادة الشيء لأصله ، بنقل تبعية هذين القطاعين الى القوات المسلحة ، فربما يكون لهما وظيفة وطنية وقومية فى مشروع شرق العوينات للمساهمة فى زراعات القمح المأمولة .
بعد اجراء مثل هذه الخطوات على طريق اعادة هيكلة جهاز الشرطة، والذى سوف يلقى بالضرورة مقاومة شرسة من المستفيدين- أدبيا وماديا – ولكنها أوجاع مريض لابد أن ينزف جراء جراحة ناجحة ، فان جهاز الشرطة سوف يجد نفسه متفرغا تماما لما يسمى ( الأمن العام ) وتنفيذ عقيدته الدستورية – الشرطة فى خدمة الشعب ، ويصبح جهازا خدميا ، لا سلطويا ..!!
( عبد الوهاب حنفى )