الاثنين، 13 نوفمبر 2017

الحلقة 17 حول ( الحصار ) المأكل ، والوقود

الحلقة 17  حول ( الحصار ) المأكل ، والوقود  
من مذكراتى حول حرب أكتوبر 1973
                 بقلم / عبدالوهاب حنفى

قال ارنست هيكل ، من أكبر علماء الحياة ،الميلاد 16 فبراير 1834بوتسدام، مملكة بروسيا والوفاة 9 أغسطس 1919   (85 سنة)  الجنسية    ألماني  :
قال ارنست هيكل : هل الكون مصادق للبشرية ؟؟!!
وكانت اجابته : أن من الصحيح أن يكون الكون والطبيعة يمكن أن تكون مصادقة للبشرية ..
وكل من عاش شهور ( الحصار ) يعلم ويتأكد أن الكون والطبيعة كانت تتصادق مع التكوين النفسى للمصريين الذين عاشوا الحصار بما له وماعليه ..!!!
ربما كان ذلك للحرب أثناء رمضان ، أو الحرب لاستراد الأرض التى أحتلها العدو أثنا نكستنا البغيضة ، أو الحرب التى بدأناها بصيحة ألله أكبر  ..، وربما بالمحاربين ذوى النفوس الطيبة ، والتدريبات الشاقة التى آن آوانها لتنفيذ المعركة المنتصرة ..
فما كانت رحلة الحصار الا أن تكون أسعد بل الأسعد فى اللحظات فى حياة المصريين التى عاشوها ...!!!
·     فى المأكل
كان علينا أن نبلغ الأمم المتحدة بتعداد القوات المصرية فى سيناء وهى ثلاثة فرق ، لكى تسلمنا يوميا بعدد الفرق الوجبات الثلاثة القادمة الينا من القاهرة ، وهى عبارة عن علبة كبيرة الحجم تحتوى على ( البسكويت ، وعلب الفول ، وعلب الخضار باللحمة ، ومربى على شكل أنابيب تشبه معاجين الحلاقة ، وكلها من انتاج المصانع المصرية ،الخ )
وكانت هذه العلب تكفى الفرد وبزيادة ..!!
ونحن قد قضينا العيدين فى فترة الحصار ، والعيد الكبير ، كانت القاهرة كريمة معنا ، فقد أرسلت لنا أربعة لوارى محملة بالخراف المذبوحة ، ويوم وصولها الى المعبر الذى كان يمر عبر منفذ للعدو ، وكانت - فى ذلك الوقت - قوات الاسماعيلية تضرب على العدو بالمدفعية ، فما كان من العدو الا أن يطلب منا الاتصال بالاسماعيلية لايقاف الضرب عليهم ، ويوم والثانى أشتمينا من روائح لحوم الخراف أنها قد فسدت ...!!!
والى جانب ضرب الاسماعيلية ، كانت لنا نحن ( القوات المحاصرة) مزيد من ضربات المدفعية الثقيلة التى أبلى فيها مدفعيتنا بلاء حسنا ....

0 فى المياه
كان من أفضل انتصارنا على العدو فى الدفاع عن السويس ، هو حصولنا على المياه من هذه المدينة ، وقد كانت لسياراتنا أكثرمن دورة فى اليوم لتحميل المياه ، وقد كانت لى كل يوم رحلة عبر القوات وأنا أحمل فى سيارتى عدد من الجراكن ، على الطرق العرضية والطولية ، لكى أوزعها على العساكر الذين يحملون زمزياتهم على الطرق ، والذين يعرفون ذلك ، ينتظروننى كل يوم ...!!

0 السجائر
كان ضمن وجبة الغذاء علبة يوميا للسجائر لكل ضابط وجندى ،، وكان معظم الجنود الذين لايدخنون يبيعون علب السجائر للتجار فى مدينة السويس بأقل الأسعار ، ويبيعها التجار بأغلى الأسعار ...!!

. الوقود
وعند يوم 16 أكتوبر انقطعت عنا امدادات الوقود ( بنزين وسولار ,, ) فصدرت أوامر من قائد الفرقة بتوقيف كافة السيارات واللوارى  ، فيما عدا لوارى امدادات المياه والتغذية .
ووسط هذه الحالة استدعان اللواء حشمت جادو رئيس أركان الفرقة ، وقال لى :
كانت هناك خطوط ممتدة من الغرب الى الشرق لتمدنا بالبزين  ، فقطعها العدو المسيطر على غرب القناة ، وبقيت وصلات المواسير الشرقية تأخذ فى ( التصافى ) من البنزين ، وهو مايوحى بأن البنزين مازال فى أجزاء المواسير التى بالغرب آخذة فى التصافى ، فهل لديك مجموعة من الجنود الأبطال يمكن أن يتسلقوا غربا من القناة ومعهم جراكن ليأخذو تصافى البنزين من المواسير ..؟؟؟
 فقلت له : وأنا معهم ان شاء الله ...
فقال لى : انت لسة متعور فى دماغك ويمكن أن يكون المشوار صعب عليك .
فقلت له : ولا صعب ولا حاجة ...!!!

توجهت الى السرية ، وأنا أضع فى ذهنى خمسة من الجنود  ، ولما أستدعيتهم ، قال لى حكمدار المجموعة : جراكن ليه ، احنا حناخد جراكن وبراميل ...!!!

وأخذنا سيارتى الجيب وعليها برميلين وأربع جراكن ، وكان الوقت بعد المغرب بحوالى الساعة ، ودخلنا الجانب الغربى من الشلوفة وتحركنا فى اتجاه الشمال الى موقع المواسير واذا بها تقع تحت برج مراقبة للعدو وبه جندى يراقب ، كل حوالى خمس دقائق يطلق ( فليرز) تتحرك فى محيط البرج ، والفليرز عبارة عن ضوء متحرك فى المكان ، وحينما يضرب الفليرز نكون نحن أسفل الأشجار مختبأين ، حتى ينتهى الضوء ، ثم نذهب الى المواسير ونأخذمنها ما تيسر من تصافى البنزين ، وأخذنا فى هذه العملية قرابة الساعتين ، وملئنا برميلين وجركن واحد ، وأصبحت المواسير فاضية ...!!!
وعدنا بأعجوبة من الغرب الى الشرق وكلنا خوف من اصابة السيارة بقذف نارى ، تتحول بكاملها –ونحن فيها – الى جهنم ...!!
ونحن فى الشرق ( سيناء ) دخلنا بالسيارة الى مكان اللواء حشمت جادو ، وكانت الساعة العاشرة مساء
وقلت له : ملينا برميلين وجركن واحد .. وما كان منه الا أن احتضننى ، وحكيت له على كل القصة ،،!!!

ومن وسط (  الحصار ) كانت لدينا القصص والحكايات ، نعرضها فى الحلقة القادمة باذن الله

                  بقلم / عبدالوهاب حنفى