الحلقة 17 حول ( الحصار ) المأكل ، والوقود
من مذكراتى حول حرب أكتوبر 1973
بقلم / عبدالوهاب حنفى
قال ارنست هيكل ، من أكبر علماء الحياة ،الميلاد 16 فبراير 1834بوتسدام، مملكة بروسيا والوفاة 9 أغسطس
1919 (85 سنة) الجنسية ألماني :
قال ارنست هيكل : هل الكون مصادق للبشرية ؟؟!!
وكانت اجابته : أن من الصحيح أن يكون الكون والطبيعة يمكن
أن تكون مصادقة للبشرية ..
وكل من عاش شهور ( الحصار ) يعلم ويتأكد أن الكون
والطبيعة كانت تتصادق مع التكوين النفسى للمصريين الذين عاشوا الحصار بما له
وماعليه ..!!!
ربما كان ذلك للحرب أثناء رمضان ، أو الحرب لاستراد
الأرض التى أحتلها العدو أثنا نكستنا البغيضة ، أو الحرب التى بدأناها بصيحة ألله
أكبر ..، وربما بالمحاربين ذوى النفوس
الطيبة ، والتدريبات الشاقة التى آن آوانها لتنفيذ المعركة المنتصرة ..
فما كانت رحلة الحصار الا أن تكون أسعد بل الأسعد فى اللحظات
فى حياة المصريين التى عاشوها ...!!!
· فى المأكل
كان علينا أن نبلغ الأمم المتحدة بتعداد القوات المصرية فى سيناء وهى ثلاثة
فرق ، لكى تسلمنا يوميا بعدد الفرق الوجبات الثلاثة القادمة الينا من القاهرة ،
وهى عبارة عن علبة كبيرة الحجم تحتوى على ( البسكويت ، وعلب الفول ، وعلب الخضار
باللحمة ، ومربى على شكل أنابيب تشبه معاجين الحلاقة ، وكلها من انتاج المصانع
المصرية ،الخ )
وكانت هذه العلب تكفى الفرد وبزيادة ..!!
ونحن قد قضينا العيدين فى فترة الحصار ، والعيد الكبير ، كانت القاهرة
كريمة معنا ، فقد أرسلت لنا أربعة لوارى محملة بالخراف المذبوحة ، ويوم وصولها الى
المعبر الذى كان يمر عبر منفذ للعدو ، وكانت - فى ذلك الوقت - قوات الاسماعيلية
تضرب على العدو بالمدفعية ، فما كان من العدو الا أن يطلب منا الاتصال
بالاسماعيلية لايقاف الضرب عليهم ، ويوم والثانى أشتمينا من روائح لحوم الخراف
أنها قد فسدت ...!!!
والى جانب ضرب الاسماعيلية ، كانت لنا نحن ( القوات المحاصرة) مزيد من
ضربات المدفعية الثقيلة التى أبلى فيها مدفعيتنا بلاء حسنا ....
0 فى المياه
كان من أفضل انتصارنا على العدو فى الدفاع عن السويس ، هو حصولنا على
المياه من هذه المدينة ، وقد كانت لسياراتنا أكثرمن دورة فى اليوم لتحميل المياه ،
وقد كانت لى كل يوم رحلة عبر القوات وأنا أحمل فى سيارتى عدد من الجراكن ، على
الطرق العرضية والطولية ، لكى أوزعها على العساكر الذين يحملون زمزياتهم على الطرق
، والذين يعرفون ذلك ، ينتظروننى كل يوم ...!!
0 السجائر
كان ضمن وجبة الغذاء علبة يوميا للسجائر لكل ضابط وجندى ،، وكان معظم
الجنود الذين لايدخنون يبيعون علب السجائر للتجار فى مدينة السويس بأقل الأسعار ،
ويبيعها التجار بأغلى الأسعار ...!!
. الوقود
وعند يوم 16 أكتوبر انقطعت عنا امدادات الوقود ( بنزين وسولار ,, ) فصدرت
أوامر من قائد الفرقة بتوقيف كافة السيارات واللوارى ، فيما عدا لوارى امدادات المياه والتغذية .
ووسط هذه الحالة استدعان اللواء حشمت جادو رئيس أركان الفرقة ، وقال لى :
كانت هناك خطوط ممتدة من الغرب الى الشرق لتمدنا بالبزين ، فقطعها العدو المسيطر على غرب القناة ، وبقيت
وصلات المواسير الشرقية تأخذ فى ( التصافى ) من البنزين ، وهو مايوحى بأن البنزين
مازال فى أجزاء المواسير التى بالغرب آخذة فى التصافى ، فهل لديك مجموعة من الجنود
الأبطال يمكن أن يتسلقوا غربا من القناة ومعهم جراكن ليأخذو تصافى البنزين من
المواسير ..؟؟؟
فقلت له : وأنا معهم ان شاء الله
...
فقال لى : انت لسة متعور فى دماغك ويمكن أن يكون المشوار صعب عليك .
فقلت له : ولا صعب ولا حاجة ...!!!
توجهت الى السرية ، وأنا أضع فى ذهنى خمسة من الجنود ، ولما أستدعيتهم ، قال لى حكمدار المجموعة :
جراكن ليه ، احنا حناخد جراكن وبراميل ...!!!
وأخذنا سيارتى الجيب وعليها برميلين وأربع جراكن ، وكان الوقت بعد المغرب
بحوالى الساعة ، ودخلنا الجانب الغربى من الشلوفة وتحركنا فى اتجاه الشمال الى
موقع المواسير واذا بها تقع تحت برج مراقبة للعدو وبه جندى يراقب ، كل حوالى خمس
دقائق يطلق ( فليرز) تتحرك فى محيط البرج ، والفليرز عبارة عن ضوء متحرك فى المكان
، وحينما يضرب الفليرز نكون نحن أسفل الأشجار مختبأين ، حتى ينتهى الضوء ، ثم نذهب
الى المواسير ونأخذمنها ما تيسر من تصافى البنزين ، وأخذنا فى هذه العملية قرابة
الساعتين ، وملئنا برميلين وجركن واحد ، وأصبحت المواسير فاضية ...!!!
وعدنا بأعجوبة من الغرب الى الشرق وكلنا خوف من اصابة السيارة بقذف نارى ،
تتحول بكاملها –ونحن فيها – الى جهنم ...!!
ونحن فى الشرق ( سيناء ) دخلنا بالسيارة الى مكان اللواء حشمت جادو ، وكانت
الساعة العاشرة مساء
وقلت له : ملينا برميلين وجركن واحد .. وما كان منه الا أن احتضننى ، وحكيت
له على كل القصة ،،!!!
ومن وسط ( الحصار ) كانت لدينا
القصص والحكايات ، نعرضها فى الحلقة القادمة باذن الله
بقلم / عبدالوهاب
حنفى