التاريخ السياسى لمنطقة
الشلاتين
تحمل عبارة النزاع الحدودي معاني مختلفة،
فهي تمثل تلك الخلافات التي تحدث بين الدول المتجاورة بشأن الحدود المشتركة بينها،
أو هي ادعاءات معارضة للدول المتجاورة بشأن تعيين الحدود التي تفصل أقاليمها أو تخطيطها.
كما تعني الخلاف الذي يثور بين دولتين أو أكثر، إما بسبب الرغبة في التوسع أو إما بسبب
ظهور موارد معدنية أو نفطية. أو هي تلك الخلافات حول تعيين المسار الصحيح لخط الحدود
بين بلدين جارين.
ويرجع النزاع المصري السوداني حول مثلث
حلايب نظرا لوجود ادعاءين متعارضين لموضوع خط الحدود، غالبا ما ينشأ مثل هذا النوع
من المنازعات نتيجة وجود سندين مختلفين لتعيين خط الحدود الصحيح. كما ينصب علي تفسير
السند القانوني المنشئ لخط الحدود موضوع النزاع، ويدخل هذا النزاع ضمن طائفة المنازعات
القانونية التي يجب تسويتها من خلال إعمال حكم القانون، وإن كانت الخبرة العملية في
هذا الخصوص تفيد بأن الدول أحيانا ما تفضل تسوية بعض هذه المنازعات عن طريق الوسائل
السياسية للتوصل إلى حل توفيقي بعيدا عن حكم القانون، ويتميز بأنه يكتسب حساسية خاصة
نتيجة كونه نزاع ينشب بين دول ذات حدود مشتركة مما يكون له أثر في تعكير صفو العلاقات
الودية بين دول الجوار، ومن ثم فإنه يجب تلمس تسوية دون إرجاء حفاظا علي أوجه الصداقة
وحسن الجوار بين الدولتين حتي تكون الحدود الدولية نقاط تلاق وتعاون بين الشعبين المصري
والسوداني، وألا تكون مصدرا دائما للتوتر.
الجذور التاريخية للنزاع (1)
وقعت إتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا
في 19 يناير 1899م، والتي وقعها عن مصر بطرس غالي وزير خارجيتها في ذلك الحين، وعن
بريطانيا اللورد "كرومر" المعتمد البريطاني لدى مصر، ونصت المادة الأولى
من الإتفاقية على أن الحد الفاصل بين مصر والسودان هو خط عرض 22 درجة شمالاً، وما لبث
أن أدخل على هذا الخط بعض التعديلات الإدارية بقرار من ناظر الداخلية المصري بدعوى
كان مضمونها منح التسهيلات الإدارية لتحركات أفراد قبائل البشارية والعبابدة المصرية
على جانب الخط، وقد أفرزت التعديلات ما يسمى بمشكلة حلايب وشلاتين.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن المرة
الأولى التي أثير فيها النزاع الحدودي بين مصر والسودان حول حلايب كان في يناير عام
1958م، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية اعترضت فيها على قانون
الإنتخابات الجديد الذي أصدره السودان في 27 فبراير 1958م . وأشارت المذكرة إلى أن
القانون خالف اتفاقية 1899م بشأن الحدود المشتركة إذ أدخل المنطقة الواقعة شمال مدينة
وادي حلفا والمنطقة المحيطة بحلايب وشلاتين على سواحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية
السودانية، وطالبت حينها مصر بحقها في هذه المناطق التي يقوم السودان بإدارتها شمال
خط عرض 22 درجة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعلن فيها نزاع على الحدود بين البلدين.
الدفوع التي يعتمد عليها البلدان في
أساليب النزاع
أولاً : الدفوع التي يعتمد عليها السودان
فيماكان من النزاع :
1- إن السودان قد تمكن فعلياً من حيازة
هذه المناطق إذ ظل يديرها منذ إجراء التعديلات الإدارية على خط الحدود الذي أنشأه إتفاق
19 يناير عام 1899م، وذلك بموجب قرار ناظر الداخلية المصري في يونيو 1902م وكان ذلك
القرار الإداري قد تم التوصل اليه بعد تشكيل لجنة فنية برئاسة مدير أسوان (مصري) وثلاثة
مفتشين احدهم من الداخلية المصرية وواحد يمثل حكومة السودان وثالث يمثل خفر السواحل
المصرية، هؤلاء كانت مهمتهم تحديد أرض قبائل البشاريين وقدموا تقريرا يؤكد أن منطقة
حلايب وشلاتين أرض تقطنها قبائل سودانية وعلي ضوء هذا التقرير أصدر ناظر الداخلية المصري
قراره المشار.
2- إن مصر قبلت هذا الوضع لسنوات طويلة
ولم تعترض عليه طيلة الفترة التي سبقت استقلال السودان في الأول من يناير1956م، وهذا
الموقف وفق قواعد القانون الدولي يمثل سنداً قوياً للسودان للتمسك بالمناطق المذكورة
تأسيساً على فكرة التقادم التي تقوم على مبدأ الحيازة الفعلية وغير المنقطعة من جانب،
وعدم وجود معارضة لهذه الحيازة من جانب آخر.
3- إن مبدأ المحافظة على الحدود الموروثة
منذ عهد الإستعمار، هو سبب آخر اعتمده السودان لإثبات أحقيته للمنطقة. فقد ورث السودان
حدوده الحالية ومنها حدوده الشمالية مع مصر، وتشير المصادر إلى أن عدداً من المنظمات
الدولية والإقليمية ومنها منظمة الوحدة الأفريقية ضمنت في مواثيقها إشارات إلى إقرار
واستمرار نفس الحدود المتعارف عليها أثناء فترة الاستعمار، أيضا يتمسك السودان بأن
مؤتمر الرؤساء والقادة الأفارقة الي عقد في القاهرة عام 1964م أقر هذا المبدأ.
4- وأخيراً فإن وجهة النظر السودانية
الخاصة بالنزاع الحدودي ومحاولة إثبات أحقية السودان في حلايب كانت تشير إلى أن اعتراف
مصر بالسودان كدولة مستقلة ذات سيادة عام 1956م لم يتضمن أية تحفظات بشأن الحدود.
ثانيا:الدفوع التي أعتمدت عليها مصر في إثبات
أحقيتها للمنطقة
1- تؤكد مصر بأن التعديلات الإدارية التي
جرت على الحدود المشتركة بينها وبين السودان تمت من الناحية الرسمية لأغراض انسانية
وهي التيسير للقبائل التي تعيش على جانبي خط الحدود، وهي لا تزيد عن كونها مجرد قرارات
إدارية عادية صدرت استجابة لرغبات المسئولين المحليين في المناطق المتنازع عليها واقتصر
أثرها على هذا الدور فقط.
واذا
كان الأصل أن تتطابق الحدود الإدارية للدولة مع حدودها السياسية إلا أنه في بعض الحالات
يمكن أن يكون هناك اختلاف بينهما كما الحاصل في الحالة التي نحن بصدد دراستها وذلك
وفقا للقرار الإداري الصادر عن ناظر الداخلية المصري في عام 1902؛ حيث تنازلت مصر للسودان
-الدولة المجاورة لها- عن ادارة بعض اجزاء من اقليمها – مثلث حلايب-( وكان السودان
يربط بين حلايب وأبورماد والشلاتين بالمثلث على الخريطة ) إذ بموجب هذا التنازل
تقوم الدولة المتنازل لها بمباشرة سلطاتها الإدارية علي هذه الأجزاء، دون أن يؤثر
ذلك – بالطبع- علي حقوق السيادة الاقليمية الثابتة للدولة المتنازلة عن هذه الاجزاء.
فالحدود السياسية الخطية وحدها هي التي
تتميز عن غيرها من انواع الحدود أو المفاهيم ذات الصلة بإقامة خطوط أو مناطق فاصلة
بين الدول مقارنة بالحدود الإدارية، والحدود الجمركية ،وخطوط الهدنة أو وقف اطلاق النار.
إن الحدود الإدارية لا شأن لها – علي وجه
الإطلاق - بتحديد نطاق السيادة أو الإختصاص الإقليمي للدول، فضلا عن أن وجودها من عدمه
لا أثر له بالنسبة لمركز الدولة القانوني فيما يتعلق بحقوقها ازاء الإقليم أو المنطقة
المعنية. فلا يعتد بموقع مثل هذه الحدود الإدارية – حال وجودها- من خط الحدود السياسة،
سواء أكانت تتطابق مع الحد السياسي الدولي أم كان الأخير يختلف عنها ضيقا واتساعا.
2- إن ادعاء السودان بأنها مارست سيادتها
الفعلية علي منطقة حلايب وشلاتين وأبو رماد منذ العام 1902 يعد سببا كافيا ينهض بذاته
لاكتساب السودان السيادة علي الإقليم بحدوده المعنية ، هو ادعاء مرفوض وزعم مدحوض،
فاكتساب السيادة الفعلية علي الإقليم يجب أن تباشر بطريقة سلمية هادئة ودونما احتجاج
أو منازعة من قبل الغير. فالسلوك اللاحق لمصر تجاه الإجراءات التنفيذية التي اتخذتها
السلطات السودانية في منطقة الشلاتين وحلايب ولأول مرة عام 1958م يكشف عن أن مصر لم
تزعن أو تقبل هذه الإجراءات السودانية، حيث قدمت الخارجية المصرية احتجاجا رسميا لحكومة
السودان وصدرت العديد من الإعلانات والبيانات عن الحكومة المصرية ترفض مثل هذا الإجراء.
جدير بالذكر أن الإحتجاج المصري علي الإجراءات
السودانية المشار اليها لم يكن متباطئا أو متأخرا، وذلك للجوء السلطات السودانية أنها
حازت حيازة فعلية هادئة مستقرة لهذا الإقليم من الأراضي المصرية ،دون تحديد أسباب محددة
.
4- إن ادارة السودان لمنطقة حلايب وشلاتين
وأبورماد لفترة عارضة طارئة لا يمنح السودان أية سيادة، ولا ينفي عن مصر سيادتها علي
أية بقعة من بقاعها أو مصر من أمصارها فالحق القانوني التاريخي المكتسب لمصر قد تحدد
بموجب اتفاقية ترسيم الحدود لعام 1899م. وأن التعديل الإداري علي اتفاقية تحديد الحدود
الدولية بين مصر والسودان عام 1899م لم يؤثر علي سريان وجريان وامتداد خط العرض رقم
(22) والذي يعد الحد الفاصل بين الدولتين مصر والسودان، حيث يمتد خط العرض (22) حتي
ساحل البحر الأحمر وتحديدا عند ميناء "عيذاب" المصري.وهو الميناء المصرى
الذى تردد عليه حجيج العالم الغربى لمصر ( دول المغرب العربى ) سفرا الى أراضى الحجازلطلب
الحج .ِ
5- إن السلوك المصري اللاحق مباشرة للإجراءات
التنفيذية السودانية المشار اليها عام 1958م لا يكشف من قريب أو بعيد عن ثمة ازعان
من جانب الحكومة المصرية تجاه الإجراءات السودانية المشار اليها.
فلقد أشارت محكمة العدل الدولية في قضية
ماليزيا ضد سنغافورة في قضية 23 مايو 2008م أن غياب ردود الفعل من جانب الطرف الأخر
في نزاعات الحدود يعد ازعانا وقبولا للوضع الراهن".
6- إن ادارة السودان للمثلث المتنازع عليه
منذ عام 1902م لا تعد إدارة من جانب دولة مستقلة ذات شخصية قانونية معترف بها، ولا
يستطيع أن يحاجج السودان بسيادته علي هذه المنطقة في تلك الفترة لكونه اقليما ناقص
السيادة، فضلا عن أن منشأ السلطة -التي يدعي السودان ممارستها في تلك الحقبة- هو القرارات
الإدارية المصرية التي اسبغت علي التواجد السوداني مظهرا اداريا لا يشكل مظهرا من ممارسة
السيادة علي المنطقة.
وحين خرجت السلطات السودانية عن الحدود
القانونية المرخصة لها من قبل السلطات المصرية عام 1958م فإن السلطات المصرية اعترضت
رسميا علي هذه القرارات في العديد من مظاهر الإعتراضات الدبلوماسية الرسمية، وأيضا
المبادرة ولأول مرة بتحريك وحدات وطنية من الجيش المصري الي المثلث المتنازع عليه.
7- تؤكد مصر إلى أنها لم تبرم اية معاهدات
أو اتفاقيات دولية سواء بين مصر وبريطانيا أو بين السودان ومصر في جميع المراحل الزمنية
والتاريخية لإضفاء صفة (دولية) على التعديلات الحدودية الإدارية.
8- ترفض مصر القول بأنها قد تنازلت بموجب
التعديلات المذكورة عن سيادتها على المناطق المتنازع عليها والتي تقع شمال خط العرض
(22) درجة، فمصر كانت خاضعة لسيادة الباب العالي، وكانت ممنوعة بموجب ذلك من التنازل
أو حتى من بيع أو رهن أي جزء من أراضيها إلا من خلال موافقة صريحة من الدولة العثمانية
ولذلك فهي لم تستطع الاحتجاج بالنسبة للحدود مع السودان.
9- تذهب الدفوع المصرية إلى أن فكرة التقادم
التي يدفع بها السودان ليس مقطوعاً بها وبصحتها تماماً من قبل القانون الدولي وهي مرفوضة
من قبل الجانب المصري، فضلاً عن أن المدة الزمنية وفق نفس وجهة النظر حول التقادم هي
محل اختلاف.
10- أن التعداد أو الإحصاء السكاني الرسمي
الأخير الذي اجرته الحكومة السودانية لم يتضمن إحصاء سكان حلايب وشلاتين.
11- رفضت أكبر القبائل التي تسكن منطقة
حلايب والشلاتين، وهم العبابدة، البشارية
والرشايدة قرار المفوضة القومية للإنتخابات السودانية والتي تحدثت عن احقيتهم بالمشاركة
في الإنتخابات واعلنت القبائل الثلاثة أثناء احتفالهم بانتصارات اكتوبر عام 2009م أنهم
مصريون 100%.
12- لقد أكد حكم محمكة التحكيم الدولية
الدائمة عام 1928م فيما يتعلق بالنزاع بين الولايات المتحدة وهولندا حول جزيرة بالماس،
ضعف القيمة القانونية للخرائط حيث أكد في حكمه أنه، مهما كان عدد الخرائط المقدمة،
ورغم قيمتها، يستحيل عليه تعليق اهمية ما عليها إذا ما تعارضت مع أعمال أو حقائق قانونية
صادرة عن سلطات قائمة.
كما أكد بأن "كل ما تقدمه خريطة ما
هو سوي اشارة غير مباشرة علي الأكثر. وباستنثناء حال إرفاق الخريطة بوثيقة قانونية،
فهي لا تساوي وثيقة مماثلة علي صعيد البت بالإعتراف بحقوق مطلقة أو بالتخلي عنها".
ثمة إذا هرمية تخضع لها الوثائق الدولية في ما يتعلق بقدرتها علي الثبوتية، وفي هذه
الهرمية تحتل الخرائط المتعلقة بالحدود الدولية المرتبة الاخيرة بعد النصوص والقرارات،
إلا في حال ارفاقها بوثائق مماثلة. ويفهم من ذلك أنه وفق رأي الفقه الدولي فأنه يكون
لتلك الخرائط أحيانا مجرد قيمة استدلالية فيما يتعلق بالمنازعات، وقد تكون لها حجة
قاطعة.