تملكت الإثارة والدهشة فريقاً مصرياً للتنقيب
عن النفط عندما عثر على عظام آدمية وخناجر ورؤوس اسهم منتشرة في منطقة تكثر بها الكثبان
الرملية، غير ان درجة الدهشة والإثارة كانت أكثر عند اكتشاف فريق خبراء الآثار قصة
اكتشاف هذه الأشياء.
مصدر الدهشة لم يكن في العثور على آثار
متعلقة بأسلحة الحرب القديمة لان هذه مسألة مألوفة في مصر، وإنما في الموقع الذي عثر
فيه على هذه الآثار وهو موقع قريب من واحة سيوة بالقرب من الحدود الليبية. ففي هذا
المكان اختفى عام 532 قبل الميلاد جيش قوامه 50 ألف مقاتل من دون ان يعثر له على أثر
وهو الجيش الذي أرسله الملك الفارسي قمبيز الثاني ابن قورش العظيم لطرد وتعقب كاهن
في منطقة سيوة تنبأ بسقوط حكمه، غير ان عاصفة رملية مفاجئة وعنيفة هبت في المنطقة الصحراوية
قبل ان يصل جيش قمبيز إلى وجهته. هذه هي رواية هيرودوت (هيرودوتوس) اشهر المؤرخين الإغريق
خلال فترة القرن الخامس قبل الميلاد وهو الذي صور قمبيز كشخص «مجنون» و«سيئ» و«خطير».
وقد فشل الكثير من المحاولات والجهود التي بذلت خلال مختلف فترات القرن الماضي في العثور
على أي دليل على جيش قمبيز مما أدى إلى تشكيك المؤرخين في احتمال ان تكون رواية هيرودوت
حول جيش قمبيز ملفقة.
يفند أولاف كيبر عالم المصريات بجامعة ليدن
الهولندية رواية هيرودوت عن اختفاء جيش قمبيز الثاني في عاصفة رملية في صحراء مصر الغربية
عام ٥٢٤ق.م، ويكشف عن السر الحقيقي وراء هذا الاختفاء …
أعلن أولاف كيبر — عالم الآثار المصرية
بجامعة ليدن الهولندية — عن حلِّ واحدٍ من أكثر الألغاز التاريخية غموضًا، وهو لغز
جيش قمبيز الثاني المفقود. وفي رواية لهيرودوت، أرسل قمبيز الثاني — أكبرُ أبناء الملك
قورش — جيشًا جرارًا من ٥٠ ألف جندي من جنود الفرس الأشداء لتدمير معبد آمون بواحة
سيوة، وقَمْعِ تَمَرُّدِ كهنة المعبد الذين رفضوا الاعتراف بحكم قمبيز لمصر. وحسب الرواية،
اختفى الجيش العظيم عام ٥٢٤ق.م في منتصف طريقه إلى سيوة في الصحراء الغربية بالقرب
من طيبة أو الأقصر حاليًّا، بعد أن ابتلعته عاصفة رملية قوية ودُفن بالكامل تحت رمال
الصحراء. وبالرغم من شكوك علماء المصريات في صحة الرواية، فإنها أثارت فضول الأثريين
والمغامرين الذين انطلقوا بحثًا عن الجيش المفقود دون جدوى. وباءت كل حملات التنقيب
عن هذا الجيش بالفشل، وثبت عدم صدق أيٍّ من مزاعم بعض الحملات الأثرية بالعثور عليه.
ويزعم كيبر أن الجيش لم يُفقَد إنما هُزم أثناء سيره إلى غايته الأخيرة، وهي واحة الداخلة حيث تتمركز
قوات قائد التمرد المصري «بتوباستيس الثالث»؛ فقد نصب القائد المصري كمينًا لجيش قمبيز،
وهكذا تمكن من تحرير جزء كبير من مصر، ونصَّب نفسه بعدها فرعونًا في العاصمة المصرية
القديمة منف. وقد توصل كيبر إلى هذا التفسير من الكشف عن ألقاب القائد المصري المحفورة
على أحجار المعبد بواحة الداخلة؛ مما يوحي بأنها كانت معقل التمرد في هذه الفترة، بالإضافة
إلى الملابسات التاريخية التي رواها هيرودوت. ويُرَجِّحُ كيبر أن رواية هيرودوت عن
اختفاء الجيش جرَّاءَ زوابع عاصفة رملية ما هي إلا محاولة من الملك داريوس الأول —
خليفة قمبيز — إخفاء أنباء الهزيمة الثقيلة التي مُني بها جيش الفرس، فعزا اختفاء الجيش
لأسباب طبيعية حفظًا لماء الوجه.
( عبد الوهاب
حنفى )